أمر مؤسف للغاية: أن تكون نظرة ستين مثقفاً في العصر الذي أصبح التواصل فيه بين البشر متاحاً، بحيث يستطيع الباحث الحصول على أحدث المؤلفات في ثوانٍ معدودة، هي نفسها تقريباً النظرة التي كان رجال الدين في العصور الأوروبية المظلمة ينظرونها إلى الإسلام!
مهما كانت درجة التعصب عند القدماء؛ فإن أعظم منه أن يستمر المعاصرون على المنوال نفسه، فالإصرار على الذنب أكبر من ارتكابه لا سيما وقد توفرت الوسائل لتجنبه.
حين فجر ماكفي المبنى الاتحادي في أوكلاهوما كان لدى الشرطة المختصة معلومات دقيقة قاطعة عن ملامحه وانتمائه، ولكن المئات - بل ربما الألوف - من الإعلاميين - على بعد آلاف الأميال عن الحادثة - تحدثوا عن ملامحه الشرق أوسطية وانتمائه الإسلامي دون أي مصدر رسمي، أو غير رسمي، وبادر البنتاجون بإعلان عن الحاجة إلى مترجمين عرب لأعمال التحقيق، وحين انجلى الأمر بتبرئة مغمغمة من كلنتون للعرب والمسلمين، صمتت أكثر الأفواه عما لحق بالإسلام من تشويه هائل، وما نال المسلمين من أذى، لكن حين أقدم جولد شتاين على فعلته النكراء بقتل المصلين في المسجد الإبراهيمي هل قال الأمريكيون: إن هذا إرهاب صهيوني؟ أم اكتفوا بالحديث عن جريمة فعلها فرد يهودي؟
وقس على ذلك ما شئت...
من جهة أخرى لنفترض أن كل أحداث الإرهاب في أمريكا على مدى قرن كانت من صنع منظمة إسلامية، فهل يجيز ذلك اتهام المسلمين جملة أو اتهام الإسلام صراحة؟
إن أمريكا هي أكثر بلاد العالم منظمات (عنصرية دينية متطرفة وإرهابية) فهل يصح نسبة ما يفعله -أي منها- إلى كل الشعب الأمريكي؛ فضلاً عن الدين الأمريكي ذاته.
ومن جهة ثالثة: لماذا لم يفترض الإعلام الياباني أن الذين ارتكبوا جريمة قطار الأنفاق في طوكيو صينيون أو شيوعيون؟ وأنهم فعلوا ذلك لأن اليابان حرة ومتقدمة؟ أهو غباء منهم أم هو تباين في مستوى العدل الذي فطر الله الناس عليه؟ أم أن الإعلام الأمريكي -ومعه الإدارة الأمريكية- له مفهومه الخاص عن العدل؟
ولماذا لا يهاجم الإعلام البريطاني الكاثوليكية عند كل حادث في إيرلندا أليست الكاثوليكية عدواً تقليدياً للبروتستانت ؟؟ أليست الحرب هناك دينية صريحة؟
أليست الحرب التنصيرية بينهما في إفريقيا تصل أحياناً إلى حد حرق المراكز وإراقة الدماء؟
إن تنظيم القاعدة - إن كان هناك تنظيم بالفعل- لم يقل يوماً من الأيام إنه ينتمي إلى حركة إسلامية، كما أن أياً من الحركات الإسلامية لم يقل قبل الأحداث أو بعدها أن ذلك التنظيم ينتمي إليها، بل إن منها من غلا في الإنكار - لاسيما في أمريكا وحليفاتها - حتى نفى صلة هذا التنظيم بالإسلام!!
ومع ذلك فقد جاء في البيان الستيني أن ذلك التنظيم هو رأس حربة للحركات الإسلامية! تماماً كما لو أن كاتباً مسلماً زعم أن منظمة مثل حليقي الرءوس أو جيش التحرير الأيرلندي، ما هي إلا رأس حربة للأحزاب المنتسبة للمسيحية في العالم بما في ذلك البروتستانت والأرثوذكس والكويكرز والمورمن والمعمدانيين.... الخ؛ فضلاً عن الكاثوليك كلهم.
وهذا ما يكشف عن سر المشكلة وهو أن المشكلة في الحقيقة هي مع الإسلام وليس مع الحركات الإسلامية، فلو أننا قدرنا أن كل المسلمين في العالم صاروا أمريكيين في كل شيء، فإن أي حادث يقع لن يُنسب إلا إليهم ومن أول وهلة!!
فما مصدر هذا ياترى؟! أهو العقل والبحث العلمي؟ أم رواسب في اللاشعور تنطلق دون المرور على قناة التفكير مطلقا؟
إن بعض المحللين يرجعون ذلك إلى تأصل العنف وإختلاق العدو في النفسية الأوروبية ويذكرون نصيحة لايبنتس
ويحار آخرون في تعليلها.
ونحن لدينا وجهة نظرنا:
لتقريب المسألة نضرب مثالاً بالشيطان، فالناس من غير تبرئة للمجرم أو إنقاص لمسئوليته عما أجرم ينسبون فعله إلى الشيطان على أساس أن الدافع الأصلي لكل جريمة هو نزغاته وتزيينه ومن ثم أصبح تجسيداً للشر المطلق.
إن كماً تراكمياً هائلاً من المعلومات والتصورات المفتراة على الإسلام جعلت الإنسان الغربي إلا ما قل يُجسِّد الشرّ كله في الإسلام في أعماق شعوره، وإن كان بعقله ووعيه ليعلم أن الأخيار والأشرار يوجدون في كل ملة، ومن هنا أصبح العقل الغربي ذاته لا يعاني مشكلة في نسبة أي شر للإسلام مع يقينه ببراءته منه واقعاً.
فمثلاً: حين أقدمت جماعة جيم جونز على ما فعلت لم يكن للإسلام أي علاقة ولا أثر، لكن لو أن أحداً كتب -اليوم أو غداً- أن ما حدث هو عمل إسلامي، باعتبار أن الإسلام هو التجسيد الماثل للشر، وأنه يبيح هذه الأعمال فسوف يجد من يصدقه بلا نقاش.
حينما زار محمد علي كلاي حطام مبنى مركز التجارة العالمي واجهه أحد المتطفلين قائلا بسوء أدب: ألا تستحي أن تنتمي إلى دين ينتمي إليه بن لادن؟.
فأجابه كلاي: ألا تستحي أنت من الانتماء إلى دين ينتمي إليه هتلر؟
لقد كان جوابه مستقيماً عقلياً، لكن لو أن هذا السائل يعتقد خروج هتلر عن السلوك النصراني إلى السلوك الشيطاني - المرادف للإسلامي في لا شعوره - فالجواب في نظره غير مقنع.
وبذلك يظهر عمق المشكلة وحجم المأساة.
لقد كان المتعصبون من رجال الكنيسة يفسرون الرمز الذي وضعه يوحنا في رؤياه عن الوحش الرهيب (666) بأنه الإسلام!